الأستاذ عيسى:
بسم الله الرحمن الرحيم، أهلاً بكم في هذا الموعد المتجدد من حصتكم، و أتشرف باسمكم جميعاً باستضافة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق، فضيلة الدكتور النابلسي نسعد بلقائك.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم ونفع بكم و جزاكم الله كل خير.
هل يمكن أن أحقق الاتباع إذا لم أعرف النبي صلى الله عليه وسلم حق المعرفة.
الأستاذ عيسى:
كلنا يقرأ قوله تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
( سورة الأحزاب)
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾
( سورة آل عمران الآية: 31 )
هل يمكن أن نحقق الاتباع حق الاتباع ونحن لا نعرف النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ولم نعرف صفاته ؟ ولم نعرف حتى وجوب معرفته صلى الله عليه وسلم ؟ والكثير يتعامل مع الأمر على أنه ثانوي أو مندوب أو فضيلة، محنة النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت ؟ الإعجاز في كلامه صلى الله عليه وسلم إحدى دلائل نبوته، هل يمكن دكتور أنا كمسلم مأمور بالاتباع أن أحقق الاتباع إذا لم أعرف النبي صلى الله عليه وسلم حق المعرفة ؟
شمائل النبي عليه الصلاة والسلام لا تنتهي لأن الكمال البشري مجموع فيه:
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
الحقيقة لفت نظري العنوان الذي اقترحتموه لهذا اللقاء الطيب نحن في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كنا في حضرته لا بأس من أن نبدأ بالتوجه إليه، نقول يا سيدي يا رسول الله، يا من بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد.
يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
أنت الإنسان الأول الذي بلغ سدرة المنتهى، أنت الإنسان الوحيد الذي أقسم الله بعمره الثمين، أنت النبي الوحيد الذي ما خاطبه الله باسمه بل بلقبه النبوي والرسالي فقال عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾
( سورة المائدة )
أنت الذي ملأت الدنيا فضلاً، أنت الذي نقلت الهدى إلى أصقاع الأرض كلها، أنت الذي كنت متواضعاً، يا سيدي يا رسول الله يوم كنت طفلاً دعاك أترابك إلى اللعب معهم فقلت لهم أنا لم أخلق لهذا، وحينما جاءتك رسالة الهدى، وحملت أمانة التبليغ، دعتك زوجتك لأخذ قسط من الراحة فقلت انقضى عهد النوم يا خديجة، ولما دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها وقفت في الناس خطيباً وقلت: من كنت أخذت له مالاً هذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتد منه، ومن كنت أسأت له فليطلب ما يريد.
يا سيدي يا رسول الله كنت قمة في الكمال الله عز وجل حينما وصفك فقال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
( سورة القلم )
مادامت سنة النبي الكريم مطبقة في حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله تعالى:
الحقيقة أن الحديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم شيء لا ينتهي، لأن الكمال البشري مجموع فيه، أنا لا أقول كما قال بعض من شطح: خُلق الكون من أجل محمد، أقول خلق البشر ليكونوا على شاكلة محمد، فلذلك أنا حينما أرى سنته، أرى معاملته، أشعر أنني أمام جبل من جبال الكمال، وما لم نتبع سنته فنحن في خطر كبير، الحقيقة أن الله عز وجل حينما يقول:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
( سورة الأنفال)
ما دامت سنتك مطبقة في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي كسب أموالهم، وفي إنفاق أموالهم، وفي حلهم وترحالهم، وفي أفراحهم وأتراحهم، مادامت سنتك مطبقة فيهم فأمتك في مأمن من عذاب الله.
الله عز وجل يجعل أمته في مأمن من أي عذاب إذا هم طبقوا منهجه:
النقطة الدقيقة جداً جداً أن الله عز وجل أيعقل أن ينشأ لك حقاً عليه ؟
(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ))
[ متفق عليه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
لكن الشيء الذي يهز أعماقنا أنه سأله ثانية:
(( ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
[ متفق عليه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
بأسلوب الحوار الرائع بينه وبين أصحابه، بل إن الله يجعل أمته في مأمن من أي عذاب إذا هم طبقوا منهجه:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
( سورة الأنفال)
الآية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لها معنى بسيط، لكن بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى لها معنى عميق جداً، ما دامت سنته مطبقة في حياتهم، هم في مأمن من عذاب الله.
حلاوة الإيمان وحقائق الإيمان:
لذلك أنا أفرق دائماً بين حلاوة الإيمان وبين حقائق الإيمان، البون بينهما شاسع جداً، حقائق الإيمان معلومات حقائق نصوص أفكار، أي إنسان ذكي يستوعبها، ويحفظها وقد يعطى دكتوراه في السوربون في الشريعة الإسلامية وهو ليس مسلماً، أي إنسان آتاه الله ذاكرة قوية وذكاءً لماعاً بإمكانه أن يحفظ هذه الحقائق، ولكن حلاوة الإيمان شيء آخر، شيء ما بين الأرض والسماء، مثلاً يمكن أن تنطق بلسانك ألف مليون دولار كلمة، المسافة أن تنطق بها وبين أن تملكها مسافة كبيرة جداً، أنا أرى أن هذه المسافة نفسها بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان من أين تأتي ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ... ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
أول بند:
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
أنا أؤكد لكم أنك لو سألت مليار وخمسمئة مليون مسلم أليس الله ورسوله أحب إليك مما سواهما ؟ يقول نعم، ليس هذا هو المعنى، المعنى أن يكون الله في قرآنه، في أمره، في نهيه، ورسوله في سنته، الأمر والنهي أحبّ إليك من مصالحك المادية المتوهمة عند التعارض، حينما تتعارض مصالحك مع النص الشرعي مع كلام خالق الأكوان مع ما صحّ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقف على جانب السنة النبوية خضوعاً لله وتعبداً عندئذ دفع ثمن حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان تجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان تجعلك شاباً حتى التسعين، حلاوة الإيمان تجعل همك عالياً:
(( إن الله جل جلاله جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق و يكره سفاسفها ))
[ أخرجه البيهقي عن ابن عباس ]
حلاوة الإيمان إن لم تقل أنا أسعد الناس قاطبة ففي الإيمان خلل، حلاوة الإيمان تبتعد عن النفاق، عن الكذب، عن الانحراف، عن اليأس، عن الإحباط، هذه الأمراض الوبيلة التي أصابت أمة النبي صلى الله عليه وسلم لما تركت سنته، إحباط، يأس أحياناً، سوداوية، تشاؤم، يعزون القوة إلى جهة أرضية وينسون الله عز وجل، تيه.
عدم ارتقاء الأمة الإسلامية بمدح النبي فقط بل بأتباعه وتطبيق أوامره:
لذلك البطولة لا أن نمدح النبي في عيد المولد، مدحه رائع لكن لا يقدم ولا يؤخر، البطولة أن نتبعه.
مرة كنت في العمرة تمنيت أن أصلي في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وانتظرت ساعة حتى أتيح لي، وقفت في المكان الذي وقفت فيه وركعت ركعتين والله بكيت بهما كثيراً، لكن جاءني خاطر بعد ذلك لو أن عالماً كبيراً يحمل ثلاث دكتورات، وله مئتا مؤلَّف، وله مكتب فخم، وعنده مستخدم لا يقرأ ولا يكتب، في أثناء غيبته قفز، وجلس على كرسي سيده وراء مكتبه هل يرقى مقامه عند الناس ؟ ولا شعرة، متى يرقى ؟ لو تعلم القراءة والكتابة، سار في طريق سيده لو درس الابتدائية، ثم درس التعليم الأساسي، بعد ذلك درس البكالوريا يكون قد مشى على طريق سيده، فأنا أرى أن أمته لا ترقى بمديحه فقط حينما تكتفي بمديحه لا ترقى، نمدحه ليلاً نهاراً ونحن نعد المليار وخمسمئة مليون، ليست كلمتنا هي العليا، وليس أمرنا بيدنا، وللطرف الآخر علينا ألف سبيل وسبيل، فنحن نريد أن نتبعه، إذا كان من خطوة ملية، من خطوة نوعية من قفزة رائعة في عيد مولده أن نعاهد أنفسنا على طاعته، وعلى اتباع منهجه لأن الله عز وجل أعطانا بحبوحة، أعطانا وعداً من ألا يعذبنا إذا أطعناه.
الأستاذ عيسى:
الذي يحفظ ألف اسم للسيف لا يجعل منه بطلاً.
منهج النبي منهج موضوعي من طبقه ربح الدنيا والاخرة:
الدكتور راتب:
هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً لدى الأخوة المشاهدين، نحن في عيد المولد ونحن في حضرة رسول الله، الاتباع، بالمناسبة في موضوع دقيق جداً يجب أن نعلم علم اليقين أن العلاقة بين منهجه وبين نتائج منهجه علاقة علمية، يعني علاقة سبب بنتيجة كيف ؟ عندما يقترب طفل من مدفأة مشتعلة يضع يده عليها فتحترق، نقول العلاقة بين وضع اليد على المدفأة المشتعلة يضع يده عليها فتحترق، نقول العلاقة بين وضع اليد على المدفأة المشتعلة واحتراقها علاقة علمية علاقة سبب بنتيجة، أما إذا أمر الأب ابنه أن يخرج من هذا الباب (يوجد للبيت بابان) خرج من الثاني هكذا فعاقبه، ما في علاقة علمية بين العقاب وبين الفعل، لكن هذه علاقة وضعية الأب أعطى أمراً، أنا أفرق دائماً بين العلاقة العلمية والعلاقة الوضعية، العلاقة بين منهج النبي صلى الله عليه وسلم ونتائجه علاقة علمية، بمعنى أن منهج النبي منهج موضوعي، بمعنى أن الملحد على إلحاده لو طبقه لقطف ثماره في الدنيا إلا أن المؤمن يطبق منهج النبي فيربح الدنيا والآخرة.
علينا تطبيق منهج النبي الكريم مع إيمان بعظمة هذا النبي وأحقيته:
بالمناسبة أستاذ في دراسة لو جئنا بإنسان يحمل إدارة أعمال بأعلى درجة، سلمناه معملاً، مستشفى، مؤسسة، وراقبناه شهراً، تصرفاته، قراراته، حركاته، عقوباته، مكافآته، معاملاته، ابتساماته لمن حوله، وجئنا بإنسان إيمانه قوي جداً وسلمناه منصباً مشابهاً، وراقبناه شهراً سوف نفاجأ أن تصرف الاثنين متشابه، الأول لأنه درس الأمور دراسة علمية ووصل بذكائه ودراسته إلى أن التواضع يعطيه شعبية أكبر، الإنصاف يعطيه محبة كل من حوله إلى آخره، لكن إذا تشابها في النتائج العمل العبادي والعمل العلمي إن تشابها في النتائج طبعاً يختلفان في البواعث، فنحن إذا طبقنا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم نقطف ثماره في الدنيا قبل الآخرة، فإذا كان التطبيق عن إيمان بعظمة هذا النبي وبأحقية هذا النبي وبصواب هذا المنهج نكسب الدنيا والآخرة، فنحن بحاجة إلى تطبيق، أمة تعد المليار وخمسمئة مليون وضعها مؤلم جداً، محزن جداً، كيف كان الصحابة ؟ الواحد منهم بألف، وكيف أصبحت أمته من بعده بعد أن تركت سنته ؟ الألف منهم بأف، سيدنا خالد طلب خمسين ألف جندي مدداً ليواجه عدواً من ثلاثمئة ألف، معه ثلاثون ألفاً، طلب من سيدنا الصديق خمسين ألفاً مدداً، الصديق رضي الله عنه أرسل له رجلاً واحداً، اسمه القعقاع بن عمرو، فلما وصل إليه قال أين المدد ؟ قال له: أنا المدد، قال له: أنت ؟ قال له: أنا، معه كتاب، قرأ الكتاب، يقول سيدنا أبو بكر: فو الذي بعث محمداً بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم.
من الخطأ الكبير أننا نفتخر وحاضرنا لا نرقى به إلى المستوى المطلوب:
لما طبقت أمته سنته انتصرت بالرعب مسيرة شهر، وأنا أقول كتعليق: ولما تركت أمته سنته هزمت بالرعب مسيرة عام، فرق كبير، أريد أن أركز في هذا اللقاء الطيب جزاك الله خيراً العبرة لا أن نكتفي بمديحه.
ابن لا يقرأ ولا يكتب (مثل تركيبي)، هذا الابن أمضى حياته في مديح أبيه يبقى الابن جاهلاً ويبقى الأب عالماً، العبرة في التطبيق، هذا منهج، الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم هو الله عز وجل، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فحفاظاً على سلامة هذه الآلة، وعلى حسن مردودها ينبغي أن نتبع تعليمات الصانع، انطلاقاً من حبنا لذواتنا.
الأستاذ عيسى:
حينما نكتفي بالمديح وكأن ينطبق علينا قول الشاعر:
لئن افتخرت بآباء ذوي حسب لقد صدقت ولكن بئس ما...
***
الدكتور راتب:
لهذا أنا أقول بتواضع: الأغبياء يتغنون بالماضي، والأقل غباءً يعيشون الحاضر، و الأذكياء يعيشون المستقبل، أنا ممكن أن أفتخر بالماضي لي ماض مجيد، أما أن يكون حاضري متخلفاً جداً، يكون الحاضر سيئاً جداً، غير مقبول مني، فلذلك لعله من الخطأ الكبير أننا نفتخر بالماضي وحاضرنا لا نرقى به إلى المستوى المطلوب هذا خطأ كبير.
الأستاذ عيسى:
هذا الاقتداء أنتم تصرون يمر عبر معرفة هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟
منهج النبي الكريم منهج كامل:
الدكتور راتب:
هذا السؤال دقيق، أنا لماذا أصلي كمسلم ؟ لأنني أؤمن إيماناً قطعياً أن الصلاة فرض، الآن إذا أردت أن أثبت إلى إخوتي المشاهدين أن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على كل مسلم، الدليل، هناك قاعدة في علم الأصول ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، أرأيت إلى الوضوء هل تتم الصلاة إلا به ؟ هو فرض لا تتم الصلاة إلا به، إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
( سورة الحشر )
هذا أمر.
وعندنا قاعدة أصولية ثانية: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، والمسلمون في زمن تخلفهم توهموا أن الإسلام صوم وصلاة وحج وزكاة، والحقيقة والله لا أبالغ أن الإسلام خمسمئة ألف بند، تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل منها العبادات الشعائرية صوم وصلاة وحج وزكاة، منهج كامل، فأنا حينما يعطيني النبي منهجاً كاملاً في معاملة الزوجة، في تربية الأولاد، في معاملة الجيران، في كسب الأموال، في إنفاق المال، في وضع ما ينبغي أن أفعله في الأفراح، في الأتراح، منهج كامل مفصل فيه عشرات آلاف الأحاديث والتوجيهات، هذا المنهج قال الله لي:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
( سورة الحشر )
كل أمر في القرأن الكريم يقتضي الوجوب مالم تقم قرينة على خلاف ذلك:
كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، كأمر التهديد:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
( سورة الكهف)
كأمر الإباحة:
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
(سورة الأعراف)
أمر الندب:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
( سورة النور)
لكن ما في قرائن، كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، كيف أأتمر بما أمر، وأنا لا أعرف ما الذي أمر ؟ كالوضوء في الصلاة تماماً من لوازم أن آخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ونهيه ينبغي أن أعرف أمره ونهيه، أنا متى أعالج نفسي من الضغط المرتفع ؟ بحالة واحدة إذا علمت أن ضغطي مرتفعاً لا بد من قياس الضغط، حتى أعالج نفسي من ضغط مرتفع لا بد من قياس الضغط المرتفع.
معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم:
أنا أقول ما دام الله عز وجل يأمرنا بأمر قطعي الدلالة واجب الوجوب أن نأخذ ما أمرنا، فمعرفة ما أمرنا من لوازم تنفيذ هذا الأمر، يعني فرض، ما دام الأمر فرض عين ومعرفة سنة النبي القولية فرض عين، أخوانا المشاهدين لا بد من كتاب حديث في البيت وليكن رياض الصالحين صحيح مبوب مرتب، لا بد من أن يجلس الأب مع أولاده قال النبي هكذا، أنا أرى أن أول شيء من لزوم تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم معرفة سنة النبي هذه واحدة، لذلك حضور درس علم لا يعدّ استهلاكاً للوقت يعدّ استثماراً له، لأن الإنسان في حركة في الحياة، هذه الطاولة لو تركتها مئات السنين هكذا تبقى هكذا.
الإنسان الله عز وجل أودع فيه الشهوات، يوجد عنده محرك، يعني الإنسان كمركبة الشهوة محرك قوة اندفاع كبيرة جداً، الشرع طريق، العقل مقود، فالمقود مهمته أن يبقي المركبة على الطريق، الطريق هو الشرع، في قوة محركة ما لم تكن هذه القوة مستنيرة، ما لم تكن على طريق معبد الدمار حتمي.
معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، الآن الله عز وجل يقول:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾
( سورة الأحزاب)
أنتم تفضلتم وافتتحتم هذا اللقاء بهذه الآية.
علينا معرفة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ليكون أسوة لنا مثلا ً
1 ـ علمنا النبي صلى الله عليه وسلم إكرام الزوجة:
هنا سؤال ثان كيف يكون هذا النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا إن لم أعرف سيرته ؟ كيف عامل زوجته ؟ السيدة عائشة سألت عليه الصلاة والسلام عن حبه لها فقال كعقدة الحبل، تسأله من حين لآخر: كيف العقدة ؟ يقول: على حالها.
كان يقول:
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
[ ورد في الأثر ]
كان يقول:
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
[ ورد في الأثر ]
هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، حينما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة ؛ دعته بيوتاتها ليبيت عندهم، فقال لهم: انصبوا لي خيمة عند بيت خديجة، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر هي شريكته في النصر.
أرأيت إلى هذا التعظيم، هذا الاعتراف بجميل السيدة خديجة.
2 ـ علمنا أن المرأة التي تربي أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة:
هناك حديث أنا أقرأه يقشعر بدني:
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلها ))
[ ورد في الأثر]
المرأة التي تربي أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة، بل إن النبي والله في لقطة أنا الحقيقة أكاد لا أصدقها، أن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خطبها النبي فاعتذرت، امرأة تًُخطب لسيد الخلق وحبيب الحق، امرأة رشحت لتكون السيدة الأولى في المصطلح المعاصر واعتذرت فقال لما ؟ قالت يا رسول الله لي خمسة أولاد أخاف إن قمت بحقك قصرت بحقهن، وأخاف إن قمت بحقهن أن أقصر في حقك.
هذا التوحيد رأت لو أنها زوجة رسول الله لا ينجيها من الله أن تهمل أولادها، كان قدوة علمنا كيف نعامل النساء.
3 ـ كان النبي الكريم قدوة لنا في الفقر:
الآن كان قدوة لنا في الفقر، دخل إلى بيته قال:
(( هل عندكم شيء ؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم ))
[ مسلم عن عائشة ]
4 ـ معاملته الناس في الغنى:
أذاقه الله الغنى مرة سأله أحد زعماء القبائل: لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي ؟ قال: لا والله، هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
5 ـ عدم تخليه عن قومه بل دعا لهم بالهداية:
أذاقه القهر في الطائف، كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم ليضربوه، قال:
(( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين، إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر، وفي سنده ضعف ]
هذا الدعاء يحتاجه المسلمون اليوم لكن النقطة الدقيقة جداً أن الله أراد أن يُمَكّنه أرسل له ملك الجبال:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
[ متفق عليه عن عائشة]
قال قومي، ما تخلى عنهم، دعا لهم بالهداية، اعتذر عنهم، إنهم لا يعلمون، تمنى على الله أن يرزقهم أولاداً صالحين، هذا مقام النبوة.
الأستاذ عيسى:
هذا لا يمكن أن يكون إلا نبياً.
أنواع المصائب:
1 ـ مصائب المؤمنين مصائب دفع و رفع:
الدكتور راتب:
لذلك أنا أقول إن هناك مصائب على أنواع عديدة، أول نوع مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع.
2 ـ مصائب غير المؤمنين قصم و ردع:
ومصائب غير المؤمنين مصائب قصم وردع.
3 ـ مصائب الأنبياء مصائب كشف:
أما مصائب الأنبياء مصائب كشف، في عنده كمال لا يظهر إلا بحالات نادرة جداً، أن يضرب، أن يستهزأ به، أن يكذب، ثم يقول اللهم اهدِ قومي إنهم لا يعلمون.
النبي الكريم أذاقه الله كل شيء ليكون قدوة لنا:
الآن أذاقه الله الفقر فصبر، والغنى فأعطى، والقهر فامتثل، والنصر، لما فتح النبي عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة، وكان منتصراً دخلها مطأطئ الرأس، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل، انتصر لا يوجد قائد دخل مدينة إلا استباحها، يتغطرس، يتكلم كلاماً لا يحتمل، لذلك مرة شخص يطوف حول الكعبة ويقول ربِ اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل، وراءه رجل صالح قال له يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله ؟ قال لي ذنب عظيم، قال ما ذنبك ؟ قال كنت جندياً في قمع فتنة في مدينة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، دخلت أحد البيوت رأيت فيه رجلاً وامرأة وولدين، فقتلت الرجل وقلت لامرأته أعطني ما عندك أعطتني كل ما عندها، فقتلت ولدها الأول، فلما رأتني جاداً في قتل الثاني أعطتني درعاً مذهبة أعجبتني غالية جداً تأملتها فإذا عليها بيتان من الشعر قرأتهما فوقعت مغشياً على الأرض:
إذا جارَ الأمير وحاجبـــاه وقاضي الأرض أسرف في القضــاء
فـويـلٌ ثُمَّ ويـلٌ ثُـمَّ ويـلٌ لقاضي الأرض مـن قاضي السمـاء
***
النبي صلى الله عليه وسلم قهر فصبر، انتصر فتواضع، افتقر فصبر، اغتنى فأعطى، أذاقه موت الولد: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، وذاق تطليق ابنتيه، تطليق البنت صعب جداً، وذاق أن تتهم زوجته العفيفة الطاهرة ؛ أن تتهم بأثمن ما تملكه امرأة فصبر لتكون هذه المرأة العظيمة مواساة لكل فتاة بريئة طاهرة اتهمت في عرضها، شيء لا يصدق.
على كل مسلم معرفة سنة رسول الله القولية وسنته العملية:
أنا أقول النبي صلى الله عليه وسلم له منهج قولي وله منهج كامل سلوكي، بل برأيي الخاص إن دلالة سلوك النبي على فهم القرآن الكريم أوضح وأبلغ من دلالة قوله، القول يحتمل التأويل، الأفعال حدية لا تحتمل التأويل، لماذا ينبغي أن نعرف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لأن الله أمرنا أن نأخذ ما أعطانا، وأمرنا أن نقتدي به، إذاً لا بد من معرفة سنة رسول الله القولية وسنته العملية.
الأستاذ عيسى:
فهمنا الآن بأننا في كل موقف وفي كل مقام في حياة الرسول موضع أسوة في المحنة في المنحة، هكذا أراده الله عز وجل، لكن حينما يدرك المسلم هذه العظمة ويجد في المقابل من يتطاول على مقامه الشريف ويرسم، هناك من يريد أن يحط من قدره، كيف يقف منها المسلم ليدرك هذه العظمة ؟
لا يمكن لهذه الأمة أن تنتصر إلا إذا طبقت منهج رسول الله:
الدكتور راتب:
والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت مثلاً يعبر عن واقع هذه الرسوم كما يلي: إنسان الشمس في قبة السماء وضع وجهه موازياً لقبة السماء، وأراد أن يبصق بصقة لتطفئ الشمس فبكل عزمه أطلق هذه البصقة، ارتفعت ثلاثين سنتمتراً وارتدت إلى وجهه والشمس بقيت في عليائها، والله لا أصدق أن تستطيع جهة في الأرض أن تنال من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الطريقة، بصقة خرجت من إنسان جاهل بعيد وارتدت على وجهه، لذلك قالوا: ما ضرّ السحاب نبح الكلاب، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم، لكن الذي يؤلمني أشد الألم أن هذا الرسام عاتبوه فقال كلمة تجرح الفؤاد قال: كنت أظنه كأتباعه، أقسم لك بالله لو أن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي طبقت منهج رسول الله لكان موقف العالم الغربي من الإسلام غير هذا الموقف.
أقسم لك أيضاً لو أن الصحابة فهموا الإسلام كما نفهمه نحن الآن والله ما خرج الإسلام من مكة المكرمة، وصل إلى الصين ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر أغروه اليهود بحلي نسائهم كرشوة، فقال: والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا. ولا يمكن لهذه الأمة أن تنتصر إلا إذا طبقت منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأستاذ عيسى:
أنتم تشيرون إلى مسؤولية المسلمون فيما حدث ؟
المؤمن من أثر مصلحة أمته على مصلحة نفسه:
الدكتور راتب:
سيدي أقسم لك بالله لولا أننا أسأنا إلى نبينا أشد الإساءة لما تجرأ أحد أن يسيء إليه، التاجر حينما لا يصدق، الموظف حينما يبتز أموال الناس، العامل حينما لا يعمل، المحاسب حينما لا يحاسب، الإنسان حينما يبحث عن حاجاته الشخصية على حساب الأمور العامة، أنا كنت أضرب هذا المثل، شخص اضطجع تحت شجرة تفاح قد قطفت، إلا أن الذي قطفها غابت عنه تفاحة واحدة كبيرة جداً صفراء اللون لها خد أحمر، هذا الذي اضطجع تحت هذه الشجرة اشتهى هذه التفاحة، هي بعيدة جداً معه منشار شجر قطع الشجرة وقعت أخذ التفاحة.
حينما ينتمي الإنسان إلى نفسه يغلب مصلحته على مصلحة الأمة هذا وضعه، لا يوجد إنسان مؤمن يطبق منهج النبي ينتمي إلى نفسه، يعني فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا، فنحن نحتاج إلى انتماء للمجموع، نحتاج إلى مفهوم فريق العمل، نحتاج إلى مفهوم عمل مؤسساتي، نحتاج إلى مفهوم إدارة الوقت، إدارة النفس، ترشيد الاستهلاك، هذه القوى الحضارية في صلب ديننا، نحن نحتاج إلى أن نراجع أنفسنا كثيراً، نحتاج إلى أن نعود إلى هذا النبي العظيم الذي جعله الله سيد الأنبياء والمرسلين.
النبي الكريم قدوة لنا و لأصحابه:
النبي الكريم قدوة لنا ولأصحابه:
كان عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في سفر فأرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم:
(( عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليها سلخها، وقال الثالث: وعليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، سيد الخلق وحبيب الحق هو يخدم دائماً، قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك، فقال: أعلم أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ))
[ ورد في الأثر ]
هل تصدق يدخل أعرابي على النبي وأصحابه، فيقول: أيّكم محمد ؟ بربك ماذا تفهمون من هذه ؟ ليس له مقعد خاص، أو ثياب خاصة، واحد من أصحابه.
في بدر الصحابة كانوا ألف صحابي وثلاثمئة راحلة، هو قائد الجيش، وزعيم الأمة، ورسول الله، ونبي الأمة، قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة سوى نفسه مع أقل جندي، قائد الجيش، ركب الناقة فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً قال كلمة والله لا أرتوي من تردادها: ما أنتما بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر.
هذه السنة، أحد الأنصار ساق للنبي رجلاً دخل بستانه وأكل بلا أذن وكأنه سارق، قال هلا علمته إن كان جاهلاً، وهلا أطعمته إن كان جائعاً.
وضع يده على المشكلة، قبل أن تتهم الناس بالإرهاب هذا ما الذي دفعه أن يفعل هكذا ؟ هدم بيته، قتل أبوه في فلسطين، قتلت أمه، قتل أخوه، جرف بستان، ردم بئره، بقيت حياته على رصاصة من عدوه، أراد أن يموت معه أربعة أو خمسة.
العاقل من يبحث عن السبب وراء كل مشكلة:
الآن يجب أن نبحث عن أسباب هذا الذي يظهر، له سبب كبير، العالم الغربي يتجاهل الأسباب يقول إرهاباً، هناك مشكلة كبيرة في إنسان فقد كل شيء أوقعوه في اليأس، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على الجرح قال:
(( هلاّ علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً ))
[ ورد في الأثر ]
في نقطة أخرى دقيقة جداً قال:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
[ البخاري عن سهل بن سعد]
هذا الضعيف بإمكاني أن أسحقه، يمكن أن تهمله، يمكن أن تلبسه تهمة، يمكن أن أعاقبه، بإمكاني أن ألغي وجوده، ضعيف، هلا أطعمته إن كان جائعاً، كسوته إن كان عارياً، علمته إن كان جاهلاً، آويته إن كان مشرداً، أنصفته إن كان مظلوماً، إذا فعلت هذا مع الضعيف تتماسك الأمة، تصب سداً منيعاً لا تخترق، هذه نتيجة يسموها تكتيكية.
الأستاذ عيسى:
هذا الذي يقوي هذا الشعور.
كل إنسان يكافئه الله بمكافئة من جنس عمله:
الدكتور راتب:
الآن الله يكافئك بمكافأة من جنس عملك ينصرك على من هو أقوى منك، ولا سبيل إلى أن ننتصر على من هو أقوى منا إلا إذا حللنا مشكلات أمتنا، هكذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم، أنا أرى والله في كنوز في هذه السيرة، فإذا جاء ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن نظهر هذه اللقطات، هذه الومضات، هذا التوجيه العظيم، هذه المبادئ الكبرى.
صحابي من أصحابه في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه، فقال لمن قبض عليه: عهد الله إن أطلقتموني لن أحاربكم، فأطلقوا سراحه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرّ به سروراً عظيماً، بعد سنتين هناك غزوة، هذا الصحابي دون أن يشعر نسي وعده، فانخرط مع الجنود، قال له النبي: ارجع، ألم تعاهدهم ؟
كانوا في عصر مبادئ.
قصة عمر بن الخطاب مع جبلة بن الأيهم:
قصة عمر بن الخطاب مع جبلة بن الأيهم:
سيدنا عمر رضي الله عنه جاءه جبلة بن الأيهم مسلماً فرحب به ملك الغساسنة، في أثناء الطواف حول الكعبة بدوي من قبيلة فزارة داس طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي اشتكاه، تصور سيدنا عمر أمام ملك وبدوي، في شاعر معاصر في سوريا صاغ هذا الحوار شعراً:
قال سيدنا عمر لجبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
يخاطب ملك، لذلك مالك بن نبي هذا المفكر العظيم قال: العصور ثلاثة، عصر مبادئ، عصر أشخاص، عصر أشياء، نحن الآن في عصر أشياء، الأشياء الحديثة السيارات هي شغل الناس الشاغل، وفي وقت الأشخاص، وأعظم وقت المبادئ.
قال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
قال: كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
الأستاذ عيسى:
ما شاء الله.
شدة سيدنا عمر رضي الله عنه مع أهله:
الدكتور راتب:
هكذا ربى النبي أصحابه، الرسول الكريم ربى سيدنا عمر، كان سيدنا عمر إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال: إني قد أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، و أيم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني، صارت القرابة من عمر مصيبة.
هكذا ربى أصحابه الكرام.
الأستاذ عيسى:
هذا الكلام بحر لا شاطئ له، نحن نقف على ساحله، معنا خمس دقائق.
مامن محنة تصيب المؤمن إلا وراءها منحة من الله تعالى:
الدكتور راتب:
في لقطات، أنا أخاطب إخواننا في غزة شغلنا الشاغل، النبي صلى الله عليه وسلم حوصر مع أصحابه في شعب مكة حتى أكلوا ورق الشجر، أنا أقول ما من محنة تصيب المؤمن إلا ووراءها منحة من الله، وما من شدة تصيب المؤمن إلا ووراءها شدة إلى الله، الآن النبي الكريم في الهجرة، تبعه سراقة، طبعاً أهدر دمه مئة ناقة لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً، تبعه سراقة طمعاً بمئة ناقة قال له النبي الكريم: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ دقق أنني سأصل سالماً، وأنني سأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين وسأنتصر عليها، وسوف تأتيني غنائم كسرى، ويا سراقة لك سوار كسرى،
الأستاذ عيسى:
وفي أي ظرف قالها ؟
الثقة بالله عز وجل مهما اشتد علينا الضغط:
الدكتور راتب:
نحتاج إلى هذه الثقة بالله:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
( سورة آل عمران )
الأستاذ عيسى:
لو قالها مرتاحاً في بيته، قالها مطارداً.
الدكتور راتب:
الآن بالخندق:
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾
( سورة الأحزاب )
أنا أذكر الطائف، قال له سيدنا زيد يا رسول الله أتعود إلى مكة وقد أخرجتك ؟ فقال إن الله ناصر نبيه، ما هذه الثقة ؟
الأستاذ عيسى:
في الغار ؟
لن يسمح الله لقوة في الأرض أن تطغى إلا وأن يوظف طغيانها لمصلحة المؤمنين:
لن يسمح الله لقوة في الأرض أن تطغى إلا وأن يوظف طغيانها لمصلحة المؤمنين:
الدكتور راتب:
نحن بحاجة إلى هذه الثقة مهما اشتد علينا الضغط، يوجد باستانبول ألماسة ثمنها مئة وخمسين مليون دولار في متحف توبيكالي هذه تقريباً بحجم البيضة، أنا أقول الألماس ما أصله ؟ فحم، لو جئت بقطعة فحم بحجم هذه البيضة كم ثمنها ؟ لا شيء، الألماس أصبح ألماساً من شدة الضغط، فكل أمة تأتيها ضغوط شديدة تصبح ألماساً إن شاء الله، هذه الضغوط تصنع الرجال، لأن الله عز وجل قادر أن يجعل الطرف الآخر في كوكب آخر ونرتاح، لا في بدر ولا خندق ولا أحد ولا يرموك ولا قادسية ولا شيء، الكفار في كوكب آخر، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى، وكان من الممكن أن يكونوا في حقبة أخرى، لكن أنا أحترم قرار الله أراد الله أن نعيش معاً.
لذلك معركة الحق والباطل معرة أزلية أبدية، أقول لكم هذه الكلمة، إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، وبناء رخائها على إفقار الشعوب، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب، وبناء غناها على إفقار الشعوب، وبناء عزتها على إذلال الشعوب، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله، لقوله تعالى:
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾
( سورة الأعراف الآية: 34 )
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
( سورة آل عمران )
لا يسمح الله لقوة في الأرض أن تطغى إلا وأن يوظف طغيانها لمصلحة المؤمنين ودينه، من دون أن تشعر، من دون أن تريد، وبلا أجر وبلا ثواب.