قال القاضي عياض في كتاب الشفا : قال تعالى (ورفعنا لك ذكرك) قال يحيى بن آدم : بالنبوة (أي رفع اللهُ للنبي ذكرَه بالنبوة) . وقيل : إذا ذكرت ذكرت معي قول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وقيل : في الأذان [ 8 ] . قال القاضي أبو الفضل : هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه ، وشريف منزلته عنده ، وكرامته عليه ، بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ، ووسعه لوعى العلم ، وحمل الحكمة ، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه ، وبغضه لسيرها ، وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله ، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم ، وتنويهه بعظيم مكانه ، وجليل رتبته ، ورفعه و ذكره ، وقرانه مع اسمِه اسمَه . قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل عليه السلام ،فقال : إن ربي و ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي . قال ابن عطاء : جعلت تمام الإيمان بذكري معك . وقال أيضاً : جعلتك ذكراً من ذكرى ، فمن ذكرك ذكرني . وقال جعفر بن محمد الصادق : لا يذكرك أحد بالرسالة إلا ذكرني بالربوبية . وأشار بعضهم في ذلك إلى الشفاعة . ومن ذكره معه تعالى أن قرن طاعته بطاعته واسمه باسمه ، فقال تعالى : أطيعوا الله والرسول . وآمنوا بالله ورسوله ، فجمع بينهما بواو العطف المشركة . ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه عليه السلام .
قال الله تعالى : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ سورة الحجر / 15 : الآية 72] . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه و سلم ، و أصله ضم العين ، من العمر ، و لكنها فتحت لكثرة الاستعمال . و معناه : و بقائك يا محمد و قيل : و عيشك . و قيل : و حياتك . و هذه نهاية التعظيم ، و غاية البر و التشريف . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى ، و ما ذرأ ، و ما برأ نفساً ـ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه و سلم ، و ما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره .
وقال أبو الجوزاء : ما أقسم الله تعالى بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه و سلم ، لأنه أكرم البرية عنده .
وقال جعفر بن محمد : من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه ، وأقسم بحياته ، ونسخ به شرائع غيره ، وعرج به إلى المحل الأعلى ، وحفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر وما طغى ، وبعثه إلى الأحمر والأسود ، وأحل له ولأمته الغنائم ،وجعله شفيعاً مشفعاً،وسيد ولد آدم ، وقرن ذكره بذكره ، ورضاه برضاه ،وجعله أحد ركني التوحيد.