بقلم: جاسم المطوع
استمعت لامرأة تشتكي من تعبها في رعاية زوجها المعاق والذي تغيرت حياته بعد عشر سنوات من زواجها بسبب حادث سيارة أقعده على فراشه فصارت هذه الزوجة هي التي تغسله وتلبسه وتطعمه وتخرج معه للفسحة وتدفع الكرسي المتحرك بيديها، وظلت على هذه الحال خمس سنوات فشعرت بالتعب والإرهاق، وصارحتني بأنها بدأت تتعب نفسيا من هذا الوضع، فقلت لها: ولماذا لا تحولين هذه المشكلة إلى فرصة وتغيرين نظرتك إليها؟ قالت: كيف ذلك؟ قلت: هل لديك أمنية في حياتك لم تحققيها؟ قالت: نعم، أتمنى أن أكمل دراستي العليا وأحصل على الماجستير في العلوم الإنسانية، فقلت لها: ولماذا لا تعزمين على نيل درجة الماجستير بنوع الإعاقة التي يعاني منها زوجك؟ فنظرت إلي باستغراب، فقلت لها: لا تستغربي فأنت لديك خبرة عملية في التعامل مع مرضه وينقصك الخبرة العلمية، فابتسمت وقالت: والله فكرة رائعة. وبدأت تكمل مسيرة حياتها ونالت درجة الماجستير بتخصص إعاقة زوجها وصارت تتعامل معه بطريقة علمية أفضل، وبعد سنوات فتحت مكتب للاستشارات وصارت تعطي محاضرات للأهالي في مهارات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
إن تغيير زاوية النظر هي السبب الأساسي في تحويل مشاعرنا من الحزن إلى السعادة ومن التعب إلى المتعة ومن السخط إلى الرضا، ولهذا عندما يبتلى الإنسان بابتلاء فإن أول خطوة يجب أن يعملها هي أن يغير زاوية نظره ليرى الخير في الحدث الذي ألمّ به فيتحول من المحنة إلى المنحة.
وأذكر أنني استخدمت نفس هذا التككلمة غير مسموح بها ف المنتدى مع رجل دخل علي ليشتكي من كثرة غضب زوجته وعصبيتها فقلت له: هل تعتقد أن في ذلك خيرا؟ فسكت فترة وهو يفكر، وقال: لا أعتقد لأن عصبيتها هذه تضايقني كثيرا. فقلت: أخبرني عن نفسك، هل أنت عجول أم متأن وصابر؟ قال: بصراحة أنا عجول وبسبب كثرة عجلتي أخطئ كثيرا ويا ليتني أتعلم الصبر. فقلت له: إذن لماذا لا تعتبر مشكلة زوجتك فرصة لك لتعود نفسك على الصبر وأنت تحاول علاجها وتغييرها؟ فنظر إلي وقال: إنها فكرة رائعة أن أستفيد من عصبيتها في تدريب نفسي على الصبر. فقلت له: إذن «غيّر زاوية نظرك تكن سعيدا» وأنت تحاول تغييرها استثمر ذلك في تدريب نفسك فتضرب عصفورين بحجر.
وامرأة أعرفها جيدا ابتلاها الله بزوج مدمن للمخدرات فقرأت الكتب من أجله وحضرت الدورات وتواصلت مع المختصين حتى تمكنت من كيفية التعامل معه، فصارت أفضل من الأطباء المعالجين وكانت سببا في توبة زوجها المدمن، ثم حولت جهدها هذا لعمل مشروع خيري لخدمة من ابتلي بنفس ابتلائها، علما بأنها كانت متأزمة طوال السنوات العشر من المشكلة ولكنها غيرت زاوية نظرها وصارت المشكلة سببا في تعلمها وتأسيس مشروعها الخيري.
إن هذا الأسلوب لم أبتكره، وإنما ديننا يوصينا به، فعندما نفقد عزيزا نقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) ففي هذه الحالة نحن نغير زاوية نظرنا من التركيز على الفقد إلى أننا كلنا ذاهبون إلى الله ومن افتقدناه قد سبقنا إليه، ففي هذه الحالة يخف الحزن لأننا نقلنا الشعور من الفردية إلى الجماعية مثلما نتأمل القول الشهير «من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته»، فتغيير الزاوية يساعد في تسلية النفس وراحتها وسعادتها وتخفيف ألمها.
وأذكر أنني كنت أتحدث عن هذا المفهوم مع رجل تعرفت عليه في الطائرة، فذكر لي قصة حدثت مع أبيه الأميّ الذي تحول من رجل أميّ إلى متعلم ومثقف لأنه غير زاوية نظره فقال: إن أبي طلب من كاتب مستأجر أن يكتب له رسالة فيها توزيع المبالغ المالية ليرسلها لأهله فأراد والده أن يطمئن لما كتب المستأجر فسلمها لآخر، فقال له: فيها شخابيط. فذهب والده للكاتب وبدلا من أن يعنفه ويسترجع فلوسه شكره، وقال له: أشكرك أنك جعلتني من اليوم أتخذ قرارا بأن أتعلم القراءة والكتابة، وصار لهذا الأب مكتبة ضخمة بالبيت وتأثر أبناؤه به فصاروا محبين للقراءة، إن الأب في هذه الحالة غير زاوية نظرته تجاه المشكلة فاستفاد منها وهو ما نسميه التفاعل الإيجابي مع المشاكل كما وضحنا في القصص الأربع السابقة ولنبدأ من اليوم أن نتعلم مهارة تغيير زاوية نظرنا ولا نستعجل بالنظرة السلبية، فكل ما قدره الله فيه خير.