مجلة المعرفة
بقلم : رحمة العتيبي
لا يعرف على وجه التحديد ما أول مدرسة ظهرت في العالم، ولكن تذكر كتب تاريخ ما قبل التاريخ، أن أفلاطون أنشأ مدرسة في حديقة تدعى (أكاديموس)، وعرفت بعد ذلك باسم أكاديمية أفلاطون. وكان يُدَرِس فيها الهندسة والفلسفة والرياضيات
أما في التاريخ الإسلامي فكان العلم يدرس في المساجد، ثم انتقل مع اكتظاظ المساجد بطلبة العلم، إلى بعض الدور الأهلية التي عرفت بدور العلم.
إلى أن أتى الوزير نظام الملك السلجوقي، وأنشأ المدرسة النظامية في بغداد، في القرن الرابع الهجري، فكانت أول مدرسة في التاريخ تشرف عليها الدولة. وانتشرت بعد ذلك المدارس النظامية - نسبة إلى نظام الملك - في كل أنحاء مدن الدولة الإسلامية. ويمكن القول أن الوزير نظام الملك هو أول (وزير تعليم) في التاريخ الإسلامي.
ومنذ ذلك التاريخ أصبح التعليم، أمرًا حكوميًا صِرفاً تتولاه الدولة.
وكان العلم شأنًا نخبويًا، لا شعبيًا، والمدارس تُخَرِّج العلماء، الذين يتولون تدريس العلوم بكافة أنواعها، بعد نيلهم الإجازة.
أما بقية المجتمع فكان كل منهم يعمل بمهنته التي لا تتعلق بالعلم النظري، من زراعة أو صناعة أو تجارة، وإن كان ليس بالضرورة أن يكونوا أميين، إذا يكتفون بالتعليم الأولي في المساجد.
كانت المدارس تدرس العلم، وكان العلم لا يؤخذ إلا من المدارس، حتى حصل ذلك الطلاق البائن بين العلم والمدرسة، في منعطف تاريخي بدل دور المدرسة جذريًا.
حصل هذا التغيير عندما اتخذت المدرسة شكل القسرية في تلقين العلم.
ثم تنامى هذا الفصل بعدما أضحت المدارس طريقًا للوظيفة، لا سبيلاً للمعرفة.
وأضحت المدرسة نوعًا من الحياة الاجتماعية الجبرية التي يحياها الإنسان، دون اختيار منه منذ وعيه حتى ينعه.
وزاد الأمر سوءًا عندما انفردت الحكومات بأمر التعليم والمدارس، بكل ما في العمل الحكومي من ترهل وسوء أداء.
وفي المجمل، لم تعد مدارس اليوم تخرج العلماء، ولا المتعلمين، بل أنصاف متعلمين وأشباه أميين.
ويشمل الضعف في المدارس الحكومية كل دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، التي تعاني ضعفًا في أداء مدارسها الحكومية، بشكل دفع الكثيرين إلى المطالبة بكف يد الحكومة الفيدرالية عن التعليم، وتسليمه لشركات خاصة.
ولا نُسْتثنى نحن من هذا الوضع الكوني.
فقدت المدرسة جوهرة العلم، وأصبح الطلاب والطالبات يساقون إليها سوقًا.
واختفى أهم عنصر في العلم وهو الرغبة. فتحول إلى الإرغامية، ففقد قيمته وميزته وأضاع هدفه.
وتحولت المدارس إلى معتقلات للملل ومعاقل للسأم، ناهيك عن أن بعضها أصبح بؤرا لنشر السلوكات السيئة والقيم المنحرفة في المجتمع، بالتوازي مع فقدان صفات طالب العلم الموروثة، من حب العلم واحترام العلماء - الذين يقوم بدورهم الآن الأساتذة - ومن صفات عدة يورثها العلم الحق في نفس المرء، ليس أولها التأمل وسعة الفكر، ولا آخرها حب الاستكشاف وعمق النظرة.
وأصبحت المدارس تخرج في أعلى نتائجها حفظة، وهذا ما تؤكده نتائج اختبارات القدرات الوطنية.
لقد غدت المدرسة بوضعها الحالي اختراعًا بائتًا باهتًا، لا يقدم العلم ولا يساعد في التربية، وإنما يُخرج حملة شهادات يبحثون عن الوظائف.
نحتاج إلى إعادة العلم إلى قلب المدرسة، أو المدرسة إلى حضن العلم.
ولعل الطريق البدهي الأول هو إعادة الدافعية والبريق إلى المدرسة عمومًا، وإلى مفهوم العلم خصوصًا.
أما الوسائل فهي متعددة، ولست المعنية وحدي بهذه القضية بل هي قضية وطنية وإنسانية وعالمية.