كان فخ منصوبًا تحت التراب, وقد شدت إليه نملتان تلتمع أجنحتهما في ضوء الشمس, وهما تتخبطان محاولتين التخلص من الوثاق.
وجاء عصفور صغير, فرأى جزءًا من الفخ, فحسبه سلكا, فقال له:
- سلام عليك يا عمي السلك!
فأخفى الفخ ابتسامة ساخرة, وقال:
- أهلا يا بني العصفور الصغير!
ونظر العصفور إلى الجزء العاري من الفخ, فتساءل:
- ما بال ظهرك معوج يا عمي?...
- إنه من كثرة العمل.
- وما هذه العصا التي تخفيها وراء ظهرك?
- إنني أستند إليها حينما أتعب من العمل.
- وما هذه القصبة القصيرة التي بين جبهتك وسرتك?
- إنها يدي!
- وما هذا الذي تمسكه بها?
- إنه ما أقتاتُ به حين أجوع.
استمع العصفور الصغير لهذه الشروح, فتساءل باهتمام:
- أيؤخذ هذا القوت بمقابل, أم بالمجان?
فابتسم الفخ بخبث, وقال:
- يا صغيري, القوت المقسوم لا يباع, فإذا كنت جائعا فما عليك إلا أن تتقدم وتأكل هنيئًا مريئًا.
أراد العصفور الصغير أن يلتهم النملتين بمنقاره, لكن الخوف منعه من تحقيق مراده. وحين اشتدت شهيته للنملتين صعد فوق جانب من التراب الذي يغطي الفخ, ومد عنقه نحو النملتين, فلم يصل إليهما, فتحول إلى الجهة الأخرى, ومد عنقه أكثر إلى الوسط حيث نابض الفخ, فلم يوفق في الوصول إليهما, وأعاد المحاولة بالطريقة نفسها مرات عدة, لكن دون جدوى.
وأخيرا قرر العصفور أن يطير فوق النملتين, وأن يلتقطهما عند محاذاتهما, وأن يطير بهما في الجو بعيدا عن المخاطر.
فلما شرع في تنفيذ خطته, انطلق النابض من مكمنه, فاهتزّ العصفور الصغير واضطرب, وهو يحاول تخليص نفسه من قبضة الفخ, ويقول متوسلاً:
- أطلق سراحي يا عمي, أرجوك!
فأجاب الفخ متهكمًا, وهو يحكم قبضته على جسم العصفور النحيل:
- يا عزيزي, نفذ رغبتك, فقد اعتدت على ذلك من أمثالك الفضوليين الأغرار.